الثلاثاء، 22 يناير 2013

كشكُول اللبّاد




كشكول بضم بين دفتيه تلك الأشياء الصغيرة الجميلة التي تناسيناها في سكرات الحياة. نستعيد في صورها ورسومها نشوات قديمة تنبعث من بين ثنايا الذاكرة ومنعطفاتها، تستمر لحظات نتنسم فيها عطر الطفولة اللاهية ينساب في رقة وخفوت ليتركنا في خلق جديد.  

عن تذاكر الترام وبطاقات البريد العتيقة، عن رائحة الصور وعبق الذكريات، عن حلم الطفولة بالعمل كسائق للترام، عن حكايا مجلات الأطفال ولهفة إنتظارها، عن دفتر سري أحمر اللون، عن البطاقات المسافرة عبرة الأمكنة والأزمنة، عن أصدقاء الخطابات القادمة من بلاد ساحل العطر، وعن إكتشافات طفولية على ورقة جنيهات عشرة، عن لمسة ظل الطائرة، عن أمزجة رسم الزهور، عن قطط العالم وقطي أنا، عن رسوم المطبعة كما ينبغي أن يكون الرسم، عن ذئاب مرسومة لا تشبه الصور الفوتوغرافية، عن لون بشرة الجسم المستورد ولون بشرتنا الأسمر، عن أبطالنا المبتدئين باليمين وأباطيلهم المرسومة من اليسار، عن فوق وتحت عندما يكون الجنوب شمالاً، عن طغراء السلاطين المرسومة بخط الثلث، عن بسم الله والكمثرى، عن الرسم الحي والأمنيات المحققة، عن سجاد الحرانية ورسوم الأجداد، عن ترحيب الكتب بقرائها والمساحات التي نتركها للآخر، عن أجسامنا حين تكون لوحات جميلة، عن أحمق الحكايات الذي يشبهنا جميعاً، وعن توقيع صاحب الكتاب الفقير الحقير المعترف بالعجز والتقصير محيي الدين اللباد.

ذلك الكشكول بصفحاته الأربعين يترك في الروح آثاراً عميقة تتوارى ورائها ندوب الزمن وشقوق العجز والوهن، أسبغ علينا فيها اللباد من روحة الرقيقة الرقراقة بعضاً من فيضها ليجدد في نفوسنا معاني الوصال بين ذكريات الماضي المنسية وأحلام المستقبل التي كادت أن تضيع وسط تيه الحاضر الأبدي. رحمك الله أيها اللباد بما أحييت في نفوسنا من جمال أفتقدناه منذ وقت طويل للغاية.

أرشحه للقراءة و"الفرجة" بشدة؛ فكشكول الرسام تحفة بصرية فريدة نفتقد مثلها في عالم الكتب المكدسة بالكلمات ليصير إستراحة قصيرة من حياة التفاصيل المملة إلى تفاصيل الحياة الممتعة المنسية.

ليست هناك تعليقات: