الثلاثاء، 28 يوليو 2015

طيف

تطواف أبدي.. هكذا حكمت عليه شوارع كل المدن التي مر بها عبثا في رحلته الطويلة. تطواف وحيد بلا  رفيق درب يؤنس، يبحث فيه عن لحظة يتشبث فيها بوهج الحياة، لتضيء تطوافه الأبدي من المهاد إلى الممات ومن الميلاد إلى الرقاد. ها هو يسير في ذات الطريق في تلك المدينة الهادئة الهانئة التي حط فيها رحاله ظنا بأنها ملاذ فراره الأخير، ويقينا بأنها ليست هي المكان المنشود، فقط طال بها المقام ما لم يطل في غيرها من مدن بلاد الله الواسعة، التي كتب عليه أن يجوبها دوما دون جدوى. تتشكل ملامح الطريق أمامه في بطء، ويكمل هو تفاصيلها في مخيلته. الشارع المرصوف بأحجار البازلت الأسود مستطيلة الشكل المدكوكة في تراص دقيق، الرصيف الواسع رغم ضيقه بالمارة، الحوانيت المصطفة على ذاك الجانب من الرصيف الذي يسير عليه دوما، مداخل البيوت المعتمة، السائرون في صمت بوجوههم المألوفة لديه، كل شيء كما هو على حاله في ديمومة أبدية. وفي نهاية الطريق على الطرف الآخر يرقد ذلك البيانو العتيق ذو الخشب الأبنوسي الأسود صامتا ساكنا، لا أحد يقترب منه أو يمسسه ليعزف عليه، ولم ير قبلا أحدا قد حاول ذلك. لا يعرف سر تلك الوحدة التي يعاني منها البيانو، ولا يعرف السبب الذي جعل مالكوه أن يتركوه هكذا على قارعة الطريق، فقط ود لو يتقدم إليه ويحاول العزف عليه، ترى أكان أحدا سيمنعه من فعل ذلك؟! لم يعرف.. فقط ظلت رغبته مسجونة كما هي كلما عبر ذاك الطريق، وما أكثر ذلك العبور. احتشدت غيوم السماء في أفق تلك البلاد الشمالية الغائمة دوما، ليبدأ المطر في الهطول بأمطار رقراقة في البداية، تندفع هابطة من علها السماوي، لتصطدم بوجهه تاركة أثرا منعشا لطيفا. يشتد المطر ليدفع بعنفوانه الناس إلى الاختباء منه داخل الحوانيت وفي مداخل البيوت، يخلو الطريق من المارة تماما فلا يتبقى سواه. ينظر بعيدا إلى نهاية الطريق على الجانب الآخر حيث يقبع البيانو، يتحدى صمته الأسود المهيب رغبته في الذهاب والعزف عليه، يهم بالتوجه نحوه، ها هي فرصته سانحة كما لم تبد من قبل، يتوقف في مكانه لحيظة تجمد فيها الزمان، يطأطأ برأسه إلى الأسفل حيث تجمعات المياه المتكونة بفعل المطر، يراقب حركة تموجات المياه المتداخلة على سطحها حال اصطدام الأمطار بها، يعبر الطريق في عزم مفتعل، يخوض بقدميه غمار المياه المتراكمة دون أن يعبأ بها، يجد في المسير حتى يجد نفسه أمامه، يتقدم في وجل ليرفع غطاءه الأسود في بطء وترقب، تتبدى المفاتيح أمامه بين بياض ثلجي ناصع وسواد فاحم، يحرك سبابته اليمنى برتابة نحو إحدى المفاتيح البيضاء، يغمض عيناه ويضغط، تنطلق أنة دقيقة خافته امتزج صداها بدوى المطر المتساقط. يبتسم في خفوت، ثم يفتح عينيه ببطء ليبصرها جالسة على كرسي البيانو، تستمر عينه في التحديق بذهول وهي تتجسد أمامه من احتشاد قطرات المطر، رهيفة وشفافة تندفع بأناملها الرقيقة نحو أزرار البيانو، تعاود الضغط على المفتاح الذي لمسه منذ قليلة، ثم تنطلق في عزف لحن بطيء وحزين، يتصاعد النغم ليمتزج بماء المطر المكون لجسدها، ويمنحها ملامح طفلة على أعتاب المراهقة بفستان أبيض، يستمر عزفها ويوغل اللحن في الحزن، يمتزج بطيفها شيئا فشيئا لتتبدل ملامحها إلى شابة جميلة بملامح دقيقة، يستمر عزفها متخطيا الزمان والمكان والمعقول، يتحول اللحن بفعل لمساتها السماوية إلى حزن صاف يتيه فيه النغم المنبعث من البيانو، تتسرب غيمة الحزن نحو قلب الفتاة الشابة لتستحيل امرأة عجوز يتغضن وجهها بحزن نبيل لا قبل لبشر به. يستفيق من ذهوله المشوب بعبق اللحن، ينظر مشدوها نحو الطيف المتجسد أمامه، تدير هي رقبتها نحوه، تهم بأن تقول شيئا له، تنقر النقرة الأخيرة في اللحن، تتسامى إلى أعلى من فوق كرسي البيانو، يحاول أن يمس يدها بأطراف أنامله، تصطدم أصابعه بقطرات المطر المكونة لطيفها، تستمر في تحليقها نحو السماء، لتنبعث منها إشراقة أبدية، فكأنما كان عروجها السماوي إيذانا بانبلاج الغيوم المحتشدة في أفق الحياة. عاد المارة إلى الطريق مرة أخرى، ليصطخب بالحياة التي أوقفها المطر. يظل واقفا أمام البيانو الأسود ذو الغطاء المغلق، يأخذ شهيقا عميقا من الهواء المشبع بعبق المطر واللحن والطيف، يستمر في تطوافه الأبدي، وكأن كل ما كان.. ما كان!

القاهرة

28/7/2015


الجمعة، 28 نوفمبر 2014

العجوز والبحر

العجوز والبحر

لم تبدو قط تلك الليلة وكأنها مختلفة في أي شيء، فهي فقط ليلة باردة طويلة كغيرها من الليالي الباردة الطويلة التي يقضيها في تابوته الخشبي بالقرب من البحر الذي كف عن النظر إليه منذ وقت بعيد. يتسرب الهواء المغرق في البرودة من بين الشقوق الفاصلة لألواح الخشب المكونة لذلك التابوت الواقف - المنعوت باسم "كشك" الحراسة - لتحدث صفيراً ممطوطاً طويلاً يزيد من أثر البرودة المنتهكة لدفء جسده الواهن. يتحرك في عالمه الخشبي المحدود محاولاً سد تلك الشقوق بما تيسر له من وريقات جريدة إعلانية مجانية توزع عليه بين الفينة والأخرى، تلك الوريقات التي كانت تمنحه بعض لحظات من الوقت الضائع فيما لا طائل منه أثناء وقوفه وجلوسه -الذي لا طائل منه أيضاً - في ورديته المسائية دوماً كأفق حياته المسائية أيضاً؛ إلا أن البرد أخذ يزداد في الشدة ويدك حصونه الواهية، والتي حاول أن يقي بها جسده المنهك دون جدوى. لم يشفع له -لدى البرد - ذلك "البول أوفر" الصوفي القديم ذو الوبر الكثيف الذي دبغ بفعل العرق والأوساخ المتراكمة حتي صار كتلة صمغية صماء، والذي يرتديه تحت قميصه ذو القماش الرقيق الأبيض سابقاً، وكذلك السترة الكحلية التي منح إياها في بداية عمله. يحاول تناسي البرد بالاستماع إلى ذلك الراديو العتيق الذي يمنحه بعضاً من الوقت الضائع الأكثر حميمية من ذلك الممنوح عبر وريقات الجريدة الإعلانية، إلا أن التقاط إشارة موجات الراديو تبدو عصية عبر الهوائي القصير المكسور، كما أن الصوت المنبعث من الراديو بين إقبال وإدبار الإشارة وإحجامها عن الاستمرار يختفي بين ثنايا زئير الريح المختلط بهدر الموج المنكسر على صخور الشاطئ القابعة في الظلمة خلفه. يتململ في جلوسه وهو ينفث في يديه ويفركهما محاولاً جلب بعض الدفء الذاتي، ولكن بلا طائل. يحن لكوب من الشاي الأسود الساخن المحلى بصحبة بشرية يفتقدها في منفاه الخشبي هذا، وأني له مثل هذه الصحبة في عمق هذه الليل البهيم البارد؟ يحجم عن فكرة الشاي لأنه لا يرغب في أن يشربه "سادة" دون وجود من يأنس به. "سادة" يقولها لنفسه بصوت عال مستحضراً بعضاً من ألفة حضور الذكريات رغم وحشة تفاصيلها، فتلك الكلمة هي أنسب وأدق وصف لحكايته. تلك الحكاية التي تكررت كثيراً حتى صارت مبتذلة في هذا البلد. كالعادة شاب تخرج بالجامعة ليعمل كـ "فرد أمن" في "كشك" مطمور بفندق شاطئي شهير بالإسكندرية، وهو مولي ظهره للبحر الذي يحجبه مبنى الفندق حتى عن أعين الناظرين السائرين على رصيف "الكورنيش"! يتناهى فجأة إلى سمعه دقات منتظمة على الأحجار ذات الشكل السداسي المنتظم المكونة لرصيف "كورنيش" الإسكندرية الجديد. تقترب الدقات شيئاً فشيئاً، ليتبين في رنينها وقع خشبي. يطل برأسه خارج تابوته ليبصر شبح إنسان محني الظهر يتكئ على عصا خشبية هي مصدر تلك الدقات. يقترب الشبح في خطوات وئيدة وتتبدى ملامحه في بطء لتتشكل وتصير رجلاً عجوزاً يرتدى "بدلة" صيفية قصيرة الأكمام تنتمي لبدل الموظفين منذ ما يربو على نصف قرن، والتي يشيع ارتدائها بين العجائز المتجاوزين لسن التقاعد الذين يقابلهم بكثرة في عربات "الترام" أيام اعتدال الجو وصحوه. يتعجب من ارتداء العجوز لبدلة صيفية في هذا البرد القارص، ويتعجب من وجوده بالأساس في ذلك الوقت بهذا المكان. شعر نحوه بالشفقة فلعله مريض بالنسيان أو اصابه مس طارئ من خرف الشيخوخة. حينما صار العجوز قريباً منه على بعد خطيات ناداه يدعوه لكوب من الشاي. لم يكن يفكر في مساعدة العجوز بقدر ما كان يفكر بأن يساعده العجوز ويمنحه بعض من أنس الحضور الإنساني في غربته بمنفاه الخشبي. رفع العجوز رأسه المحني في بطء ونظر إليه ثم توجه نحوه دون أن ينبس بأية كلمة، ثم جلس على مدخل "الكشك" المرتفع عن الأرض بعض الشيء واضعاً عصاه بين ساقيه المتباعدتين ومسنداً راحتيه على رأسها المعقوفة. أخرج هو "عدة" الشاي المخبأة أسفل ذلك النتوء الخشبي الذي يجلس عليه ثم قام بصب كوبين من الشاي في عجالة ناول العجوز إحداهما وتمسك هو بكلتا يديه بالكوب الأخر بغية امتصاص حرارته ووهجه. استمر الصمت بينهما لا يقطعه سوى رشفات كليهما للشاي ونظرات كل منهما للآخر. انتظر طويلا أن يفتح العجوز فمه مخرجا بعض الكلمات بصوت تخيله واهنا للغاية يليق بعجوز، لكن صمت العجوز الممتزج برشفاته البطيئة الممطوطة المتمهلة لكوب الشاي أبى أن ينتهي. أراد أن يتكلم هو لكن ماذا يقول احتبست الكلمات في حلقه محدثة غصة شديدة الألم والمرارة. بم يخبره؟! وهل من أثر حياته ما يستحق القص والإخبار؟! وهل لحياته من أثر بالأساس؟! كادت خواطره أن تسترسل في حوار داخلي متصل من طرف واحد اعتادت نفسه أن تحادث به نفسها لولا أن باغتهما المطر فجأة بالهطول دون سابق إنذار. لم يبد العجوز تأثرا رغم ابتلال القماش الخفيف لبنطال بدلته وجفاف الجزء العلوي منها. لم يلحظ الحد الجلي المرسوم على سطح القماش بين البلل والجفاف، والذي ما لبث أن تهاوى بفعل انتشار البلل كغيمة تحجب الأفق. لم يعبأ بالدوائر المتسعة المتموجة على سطح الشاي - الذي فقط حرارته - إثر ارتطام قطرات المطر.  فقط ناول كوب الشاي البارد لمضيفه، وقام من مجلسه فجأة دون أن يستند بما يكفي على عصاته، وأخذ يجد في السير مبتعدا عن "الكشك" كأنما يهم باللحاق بموعد تأخر كثيرا. تابعه من مجلسه بنظرات بدت في ظاهرها غير مكترثة، إلا أنه في ثناياها تعلقت بخطوات العجوز المتعجلة نحو الكوبري الشهير المعلق فوق تلك البقعة من بحر الإسكندرية. توقف العجوز أمام سور الكوبري لحظات بدت كالدهر في عين مراقبه، ثم قفز فجأة من فوق السور كأنما اجتذبته قوة هائلة نحو البحر القابع في الظلمة. ارتاع من هول المشهد، وهرع إلى البقعة التي كان يقف العجوز بها منذ لحظات. وقف على حافة السور ونظر إلى البحر للمرة الأولى منذ زمن بعيد. صعد في النظر بحثا عن أثر لهذا العجوز المأفون، وظل يحدق في الظلمة الكثيفة إلى أن تلاشت المرئيات من حوله - بما فيها البحر نفسه - وصارت أفقا من الفراغ المظلم غشى بصره إلى حين. انبلج نور الفجر بغتة وارتد نظره ليبصر بدلة العجوز الصيفية وعصاه ذو الرأس المعقوفة فوق مساحة شاسعة من الرمل الأبيض الذي تتناثر فوقه بعض الصخور بترتيب عابث. جال ببصره في ذاك الأفق الغريب، لكنه لم يجد العجوز.. ولا البحر أيضا!


محمد السنباطي

القاهرة – نوفمبر 2014

الاثنين، 28 يوليو 2014

الترحال الأول: رومانيا.. بونا ديمينياتسا بوكاريستي (2)

بونا ديمينياتسا بوكاريستي (*) 
 Bună dimineața Bucuresti




-2-

الأفق الروماني هول أول ما طالعته عبناي بعد الخروج من باب الطائرة. الضباب الصباحي يحجب الرؤية البعيدة المدى فلا أتبين من المشهد سوى مساحة شاسعة تتخللها سهوب مخضرة تنتهي بجبال تلوح من بعيد كأنها نهاية العالم وما نعرفه من الدنيا. لم أستطع التركيز في المشهد أكثر من عدة ثوان بسبب تعجل الهابطين خلفي على سلم الطائرة قصير الدرجات. الجو بارد للغاية والشمس محتجبة خلف الغيوم المحتشدة في السماء.
توجهت لإنهاء إجراءات الوصول والخروج من المطار الذي عرفت أن اسمه مطار "أوتوبيني". وقفت في طابور قصير يصطف أمام شباك ضابط الجوازات، وبدأت في استكشاف ملامح المكان حتي يأتي دوري. لفت انتباهي وجود إعلان كبير على الحائط المجاور يحذر من الرشوة والفساد! الإعلان بالطبع باللغة الرومانية؛ لكنه لم يكن من العسير تبين أنه يتحدث عن الرشوة في وجود يد تدس نقوداً في يد أخرى وتحتها كلمة (corupție) بخط كبير، والتي يبدو أنها كلمة الرشوة بالرومانية نظراً لتشابهها مع مرادفتها الإنجليزية. هالني وجود مثل هذا الإعلان أو التحذير في وجه القادمين إلى تلك البلاد؛ فهو يحتمل إما أن تكون تلك البلاد نظيفة وموظفيها طاهري اليد، وأن القادمين من الخارج هم بذور الشر والفساد؛ وإما أن الرشوة والفساد وصمة في جبين البلاد، وعلى القادمين من الخارج ألا يزيدوا الطين بلة. إلا أن الأمر كله محمود فالاعتراف بالحق في كلا الاحتمالين فضيلة.
انتهيت من الروتين المعتاد في كافة مطارات العالم باستلام الحقائب كاملة. الآن انتهى الجزء الأسهل في رحلتي؛ حيث يتوجب على الوصول إلى المدينة التي سأكون بها بقية الشهر "كلوج نابوكا"، والتي تبعد مسافة تسع ساعات بالقطار أو الحافلة عن العاصمة "بوخارست". كل ما لدي لاتمام تلك المهمة ورقة صفراء مكتوب عليها كلمتان وبضعة أرقام هواتف فقط؛ الكلمتان هما "جارا دي نورد" (Gara de Nord) وهي محطة القطار الرئيسية ببوخارست حيث يمكنني ركوب القطار المتوجه لمدينة "كلوج"، والكلمة الأخرى "ميليتاري" (Militari) وهي محطة للحافلات المتوجهة لمختلف المدن الرومانية. وعرفت من صديقي الذي أعطاني هذه الورقة قبيل السفر أن هناك قطاران يتوجهان لكلوج من "جارا دي نورد" أحدهما في التاسعة صباحاً والأخر في الواحدة ظهراً، بينما هناك حافلة واحدة فقط متجهة لكلوج تقلع من "ميليتاري" في الثانية عشرة ظهراً. الساعة الآن السابعة صباحاً أي أنه إذا حالفني الحظ ولم يكن المطار بعيداً عن وسط المدينة سأركب قطار التاسعة صباحاً. حاولت سؤال إحدى العاملات بالمطار عن كيفية التوجه إلى "جارا دي نورد" أو "ميليتاري" فأرشدتني إلى مكتب خاص بالاستعلامات؛ وهناك عرفت أنه يمكنني ركوب تاكسي للوصول مباشرة إلى أي من المكانين، كما أنه يمكنني استقلال حافلة عامة من المطار إلى "جارا دي نورد"، ومن هناك يمكنني ركوب حافلة أخرى إلى "ميليتاري" إن أردت، ونبهتني إلى أن تلك الحافلة المغادرة لمحطة القطار ستتحرك في تمام السابعة وأربعين دقيقة بالضبط.

توجهت إلى مكان لتبديل العملة داخل المطار لأجد أن سعر العملة في ذلك المكان أعلى بشكل ملحوظ عن السعر الرسمي؛ لذا لم أشتر سوى 200 من العملة الرومانية. والعملة الرومانية تسمي "لو" (leu) للمفرد و"لي" (lei) للجمع؛ ويتكون اللو الواحد من مائة "باني" (bani). وتبلغ قيمة اللو الواحد ما يوازي 1.60 حنيهاً مصرياً –في ذلك الوقت.

واللي الرومانية يتم إصدارها في فئات معدنية وورقية تبدأ من بان واحد إلي خمسمائة لي. والعجيب في العملات الرومانية الورقية أنها مصنوعة من مادة بلاستيكية ناعمة للغاية مما يجعلها تبدو وكأنها جديدة دائماً وتتمتع بعمر أطول. كما أن تلك العملات البلاسيكية بها أجزاء شفافة على شكل شعار يختلف من فئة لأخرى، ولم أعرف إلى الأن سبباً لذلك. وتحتوى معظم فئات العملة الرومانية على صور الشخصيات المشهورة في التاريخ الروماني الحديث؛ ولست أعني بالشخصيات المشهورة الرؤساء والحكام والفراعنة كما هو الحال في مصر، بل صور الأطباء والكتاب والرسامين اللذين لعبوا دوراً هاماً في تاريخ البلاد. وقد لاحظت طوال إقامتي مدى احتفاء الرومانيين بالشخوص التي صنعت تاريخهم الحقيقي عبر إطلاق أسمائهم على الشوارع والميادين ومحطات المترو والمتاحف والجامعات، اعترافاً منهم بالجميل وتقديراً لدورهم وإسهاماتهم في بناء الوطن.

يتبع . . .

الجمعة، 18 يوليو 2014

الترحال الأول: رومانيا.. بونا ديمينياتسا بوكاريستي (1)



بونا ديمينياتسا بوكاريستي (*) 
 Bună dimineața Bucuresti
 



-1-

وانطلقت الطائرة من مطار القاهرة. هذه هي بداية الترحال الأول في حياتي. أجلس على المقعد الأبعد عن النافذة، والأقرب للممر في طائرة صغيرة تابعة للخطوط الجوية الرومانية "تاروم" (TAROM). لا أعرف طراز الطائرة لأنني لا أعلم من الطائرات المدنية سوي طائرتي "بوينج 707" و"كونكورد" -وبالطبع الطائرة الصغيرة تلك ليست إحداهما. الوقت يقارب الثالثة بعد منتصف الليل بتوقيت "القاهرة" الصيفي في ذلك الحين –والذي ألغي لاحقاً كأحد الإنجازات المجيدة لثورتنا- يوم الجمعة السادس عشر من يوليو عام 2010 للميلاد.

بعد تجاوز الإقلاع واستواء الطائرة في طريقها اللامرئي نحو العاصمة الرومانية "بوخارست"، أخذت أفكر حول ما دفعني للترحال لذلك البلد الجميل "رومانيا". تلك البلاد الموصومة بالأكثر فقراً في القارة الأوروبية، والتي دخلت الاتحاد الأوروبي مؤخراً بشق الأنفس بعضوية غير كاملة. تلك البلاد التي ثار شعبها في نهاية عام 1989م وأطاح بطاغيتها "تشاوشيسكو" وأعدمه على الهواء مباشرة في غضون عدة ساعات من القبض عليه. رومانيا بلد الكونت دراكيولا ومصاصي الدماء وأساطير جانب النجوم، تلك العوالم التي يعرفها القارئون من أبناء جيلي عبر روايات المبدع د.أحمد خالد توفيق. إن الترحال لمثل هذا البلد كفيل بالإجابة عن الأسئلة التي طالما أرقتني قبل إتمامي العشرين عاماً. أسئلة تدور حول الثورة وكيف تثور الشعوب لتنتزع حقوقها في الحياة بعد طول ممات؟؛ أسئلة عن عمارة الأرض والحضارة والفقر والسعادة، وهل يمكن لكل هؤلاء أن يجتمعوا سوياً في مكان واحد وتحت ظل ذات الزمان؟ وقد ظننت وقتها أن إجابات تلك الأسئلة ستعطيني الجواب الشافي، والتفسير الذي لا يقبل الالتباس عما آل إليه المآل في تلك البقعة على الخريطة المسماة "مصر" بلادي المأفونة والمبتلى أهلها بضنك المعيشة وضيق الأرض التي لم ترحب علينا ولا حتى بنا!

بجانب تلك الأسئلة المصيرية التي ظننت أن حسمها ممكن في غضون ثلاثين يوماً -هي مدة بقائي مرتحلاً في تلك البلد- كان هناك دافعاً آخر –ولعله كان الرئيسي- وراء ذلك الترحال .. الحلم. الحلم القديم الذي طالما راودني بأن اتخذ العلم سبيلاً في الحياة، وأن يكون البحث في ثناياه والكشف عن أسراره مهنتي التي اعتاش بها ومنها. فالغرض الأساسي الذي سافرت به ومن أجله هو الفرصة التي ستوفرها لي إحدى الجامعات الرومانية للعمل كمساعد باحث متدرب لمدة شهر. تلك الفرصة التي لن تكلفهم شيئاً، ولم تكن لتكلف أحد في بلادي شيئاً أيضاً إلا أنهم ضنوا علي بها كغيرها مما ضنت به علينا بلادنا التي كانت –وما زالت- كليلة عليلة.

استفقت من تلك الأفكار في منتصف الرحلة التي انعطف مسارها فوق مدينة "إسطنبول" عاصمة الحلم التركي الجميل والبعيد. ولا أعرف السبب الذي يجعل مسار الرحلة المباشرة من "القاهرة" إلى "بوخارست" يتجاوز المسار المستقيم المتوقع بين المدينتين كأقصر مسافة ممكنة ويتحول إلى إنحناءة تمر بالمجال الجوي التركي -ولعل الأمر كان إشارة خفية إن إجابة أسئلتي يجب أن تمر عبر طريق "تركيا" وليست "رومانيا" كما ظننت وقتها. أخذت أحدق بالشاشات المعلقة في سماء الطائرة والتي لم تكن لتعرض شيء ذا بال سوى معلومات عن مسار الرحلة، وارتفاع الطائرة عن سطح البحر، والزمن المقدر للوصول؛ وما عدا ذلك فهو العروض الخاصة بشركة الطيران نحو مدن وحواضر العالم. انتابني يأس قصير بعدم عرض أية معلومات عن البلد التي سنلجها عما قريب على تلك الشاشات؛ إلا أنه ما لبث أن تبدد بشروق شمس الصباح حين دخلنا المجال الجوي الروماني وأصبح الهبوط قريباً لتنتهي رحلة الطائرة وتبدأ رحلتي الخاصة.



(*) صباح الخير يا بوخارست!

يتبع . . .

الأربعاء، 16 يوليو 2014

الترحال الأول: رومانيا.. ما قبل الرحلة

الترحال الأول: رومانيا



ربما تأخرت كثيرا قبل كتابة ونشر هذه التدوينات/المذكرات -سمها كما تشاء، إلا أن هذا التأخير الذي بلغ 4 سنوات بالتمام والكمال -والنابع بالأساس من الكسل- قد جاء بفائدة عظيمة إذ سمح لي بهضم التجربة الرومانية كاملة وإعادة النظر فيها ومقارنتها بتجارب أخرى في ضوء ما آلت إليه الأمور في مصر. هذا التبرير/الاعتذار لا بد منه على الرغم من تأكدي من أن متابعي تلك الكتابات لن يتجاوزوا أصابع اليدين.

ما قبل الرحلة


البداية كانت فكرة مجردة .. سفر؛ فقط أن أكون خارج المكان الذى اعتدت أن أوجد فيه. ترحال في البلاد بحثاً عما لا أدريه ولا أعلمه؛ ربما الحلم الذي طالما بدا بعيد المنال، وربما الحقيقة التي لم يعرفها أحد، وربما أسرار السعادة والرضا، وربما سر آخر لم يعلمه أحد من قبل، أو علمه الخاصة اللذين ارتحلوا في البلاد بحثاً عنه.

ولكن كيف؟ عبر برنامج للتبادل الطلابي أتيح للبعض أثناء الدراسة بكلية الصيدلة التي درست بها. وتقريباً هذه هي الفرصة الوحيدة المتاحة للسفر خارج البلاد بالنسبة لي خلال أعوام الدراسة، وقبيل إتمامي أعوامي العشرين الأولى. ولكن إلى أين؟ دولة أوروبية هذا هو الجواب. وخياري تحديداً من دول شرق ووسط أوروبا لأسباب إقتصادية بحتة وقد كانت في البداية "بولندا". دولة تتوسط أوروبا وتقع على الحدود مع ألمانيا التى طالما حلمت بالدراسة والعمل بها فقط بضعة ساعات بالقطار تفصلك عنها. ولكن دائماً ما تأتى الرياح بم لا نشتهيه، وتحولت بولندا إلى سراب. وقد كان لزاماً على أن أختار من بين ثلاث دول "صربيا" أو "تركيا" أو "رومانيا". "تركيا" بلد إسلامى، وليس أوروبياً بما فيه الكفاية، وأنا احتاج إلى بلد أوروبي خالص مختلف تمام الاختلاف عن كل ما عهدته في بلادي من قبل. أما "صربيا" لا أعلم عنها شيئاً تقريباً سوي أنها منذ بضعة أعوام كانت "صربيا ومونتنيجر"، وقبلها بعدة أعوام أخري كانت "يوغوسلافيا"! إذن هى "رومانيا". دولة فى شرق أوروبا حققت ما كنت أظنه معجزةً فى وقتها؛ ثورة قام بها الشعب على طاغية مجنون يدعى "تشاوشيسكو".

وبعد سلسلة طويلة من الإجراءات والأوراق والروتين المصرى والرومانى أيضاً؛ بدأت الرحلة قبل الوصول إلى المطار بيوم كامل. كان موعد إقلاع طائرتي فى الثالثة بعد منتصف الليل من مطار القاهرة، وقد استلمت التأشيرة فى الثامنة من صباح يوم السفر من السفارة الرومانية فى القاهرة. ثم كان على التوجه إلى منطقة العامرية للتجنيد بالإسكندرية للحصول على تصريح السفر من وزارة الدفاع، ثم العودة مرة أخرى بالمساء إلى القاهرة للسفر. وقد استغرقت رحلة الإسكندرية القاهرة الإسكندرية القاهرة حوالي عشرين ساعة تقريباً استنفذت فيها كل قواى. خاصة بعد السير على الأقدام مسافة ستة كيلومترات تحت شمس الثانية عشر ظهراً اللاهبة فى منتصف يوليو للوصول إلى منطقة التجنيد!

وبعد الانتهاء من اتمام اجراءات المغادرة فى مطار القاهرة. جلست بأحد المقاهى لالتقاط الأنفاس، واحتساء قدح من مشروب الشيكولاتة الساخنة لمساعدتي على الاسترخاءوالنوم بالطائرة. إلا أنني كنت واهماً في موضوع النوم هذا، فدائماً وأنت على طريق جديد لا ينبغي النوم أبداً. فقط قم بإعداد نفسك وتهيئة روحك لطرح الأسئلة والبحث عن الإجابات، وأشياء أخرى لن تعرفها إلا في حينها.

يـتـبـع . . .

الخميس، 28 فبراير 2013

جنوباً وشرقاً – محمد المخزنجي


جنوباً وشرقاً: رحلات ورؤى



عن الكاتب:
محمد المخزنجي ولد بمدينة "المنصورة" المصرية عام 1949م تعلم بمدارسها، والتحق بكلية الطب بجامعتها. سافر إلى أوكرانيا في بعثة دراسية حصل خلالها على درجة الاختصاص العالي في طب النفس والأعصاب من معهد الدراسات العليا للأطباء بمدينة "كييف"، واختصاصي إضافي في الطب البديل بالمعهد ذاته، مارس الطب النفسي في مصر وأوكرانيا، ثم هجر الطب وتفرغ للعمل بالكتابة حين التحق بمجلة "العربي" الكويتية كمحرر علمي، وانضم إلى أسرتها بالكويت، ثم عاد إلى مصر، وعاش فترة في سوريا، وأصبح بعد ذلك مستشار تحرير مجلة "العربي" في القاهرة. وهو الآن كاتب حر له مقال ثابت كل خميس بجريدة "الشروق" المصرية. يعد المخزنجي من أهم كتاب القصص القصيرة في العالم العربي، وقد قال عنه نجيب محفوظ: "إنه موهبة فذة في عالم القصة القصيرة."، كما قال عنه يوسف إدريس "يمكننا أن نكون من قصصه باقة من أجمل القصص العالمية.". حصل على جائزة ساويرس لكبار كتاب القصة القصيرة عام 2005، وترجمت بعض أعماله إلى الألمانية، والروسية، والإنجليزية. صدر للمخزنجي سبعة كتب قصصية، وريبورتاج قصصي عن كارثة تشيرنوبل، وكتابان في الأدب البيئي للأطفال، وكتاب علمي، بجانب كتابه الذي نتحدث عنه "جنوباً وشرقاً".

ملخص الكتاب:
جنوباً .. بعيداً عن موسم الهجرة للشمال، وشرقاً .. بعيداً عن الاغتراب والغربة في الغرب؛ هكذا أراد أن تكون رحلته، وهكذا أراد ان تكون ووجهته. ترحال وتطواف ببلاد الله في الجنوب والشرق، رؤى وتأملات بخلق الله في تلك الجهات. ترحال امتد في عمق المكان ثمان وعشرين رحلة، وامتد في عمر الزمان تسع سنوات. رحلة في عشق الجنوب والشرق الأحب والأقرب إلى قلب صاحب الرحلة، والأكثر دفئاً ورحابة بناسه وخلقه لما تجيش به النفس الهادئة الوادعة  لكاتبنا د.محمد المخزنجي. وكما هي الكتب تضيف أعواماً وحيوات إلى العمر الواحد كذلك السفر. فما بالكم بكتاب عن السفر يطوف بنا القارات الثلاث للعالم القديم جنوبه وشرقه فقط؛ يرتفع بنا أقاصي الجبال، ويهبط بين سهوب الثلج الأشهب والعشب الغض، يمضي في تيه أشجار الغابات ووسط حيواناتها المفعمة بالحياة، ويمر بمدن وقرى البشر عبر شوارعها المرصوفة أو طرقها الترابية بين القصور الفخيمة أو الأكواخ الغارفة في الفقر والجهل والمرض؛ يغوص بين ثنايا أبناء آدم غارقاً حتى أذنيه في عادات وثقافات الشعوب العديدة البعيدة عنا وعن وجداننا، حتى وإن قربت إلينا على رقعة العالم. كتاب يضم ملاحظات المخزنجي الرحالة، مكتوب بأسلوب المخزنجي الأديب؛ ليحمل بين طياته أقاصيص وحكايا وأساطير، رؤى ومشاعر وتأملات، تاريخ وجغرافيا وسياسة في مزيج بديع ندر أن تجده في أي كتاب أخر. فهذا الكتاب لا يمكن تصنيفه تحت عنوان "أدب الرحلات" التقليدي، ولا يجوز لنا أن نعده "قصة أدبية" بمفهومها المعهود؛ فهو يقع في منطقة بين هذه وتلك أطلق عليها الكاتب "القصة الصحفية"؛ ذلك المزج الفريد بين الصحافة والأدب الذي خلق تلك الحالة الإبداعية الخاصة، والتي نجح المخزنجي في إرساء دعائمها بقوة في عالم الصحافة. يضم هذا الكتاب بين دفتيه "القصص الصحفية" للرحلات الاستطلاعية التي أجراها الكاتب أثناء عمله بمجلة "العربي" الكويتية في الفترة بين عامي 1993 و 2001؛ والتي عدت حين نشرها في وقتها طفرة في عالمي الصحافة والأدب العربيين. وقد جمع هذا الكتاب ثمان وعشرين قصة صحفية لثمان وعشرين رحلة في ثلاث وعشرين دولة تمتد حدودها في ثلاث قارات؛ اختار لها المخزنجي ذلك العنوان القصير البسيط "جنوباً وشرقاً" ليحدد الوجهة والاتجاه، ألحقه بعنوان فرعي "رحلات ورؤى" ليصدر الكتاب في طبعة وحيدة فريدة عام 2011.

1- نامبيا
جوهرة أفريقيا المنسية ذات الوجوه العديدة القديمة الجديدة؛ وجوه الأطماع والاستعمار البائدة، ووجوه المساواة ونبذ العنصرية الوافدة. الرحلة إلى تلك البلاد عبر ثلاث قارات إنطلاقاً من الكويت، ومروراً بألمانيا، وانتهاءاً بنامبيا طرحت سؤالاً هاماً عما دفع الألمان إلى ترك شمالهم الخصيب والتوجه إلى جنوبأ واحتلال تلك البقعة في قرون الاستعمار الأبيض الأسود؟ ذلك السؤال الذي يتردد صداه دائماً في رحلات المخزنجي جنوباً وشرقاً مع اختلاف المستعمر الأبيض دوماً. لا بد وأنه ذلك النهم الأوروبي الذي وضع العالم بين ثنائية الاكتشاف والقسوة محولاً خارطة الأرض ومصائر الشعوب إلى كعكة يتنازع على اقتسامها وانتزاع الجزء الأكبر منها؛ ومؤكداً أنه مهما وسعت الأرض فأطماع البشر أوسع. وهذا ما حدث في نامبيا التي يخضع ميناؤها الرئيسي لنفوذ دولة أخرى؛ فميناء "والفز باي" على مياه المحيط الأطلنطي والذي يقع في صدر نامبيا يخضع لنفوذ دولة جنوب أفريقيا تسيطر عليه وتتحكم فيه! وقد انتهى هذا العبث الجغرافي المختلق في 28 أغسطس 1993 -أثناء زيارة المخزنجي لهذا البلد- لتعود "والفز باي" إلى أحضان الوطن الأم.

2- جنوب أفريقيا
رأس العواصف .. رأس الجنوب الأفريقي الذي اكتشفة البرتغاليون صدفة للدوران حول أفريقيا، والذي بواسطته تمكنوا من قطع طريق تجارة البهار والتوابل المارة ببلاد المسلمين فأطلقوا عليه اسم "رأس الرجاء الصالح"!. وعند تلك القمة يلتقي المحيطين الأطلنطي والهندي في رحابة وتسامح، وذلك رغم اصطخاب تصادم الأمواج على الأرض! ذلك التصادم الدامي بين بني الأبيض والأسود؛ إرث الدم الذي ابتلى به أهل تلك البلاد بعد تعاقب الغزوات الكولنيالية عليها منذ القرن الخامس عشر. كانت زيارة المخزنجي إلى تلك البلد في أهم لحظة في تاريخها المعاصر؛ تحديداً في ديسمبر من العام 1992 أثناء المفاوضات بين "نيلسون مانديللا" الذي ما فتيء أن خرج من محبسه وبين "ديكليرك" أخر حاكم أبيض للبلاد والذي أنهي سياسة الفصل العنصري "الأبارتايد" إلى الأبد؛ تلك اللحظة الفارقة التي أصبح رأس الرجاء صالحاً بعدها للجميع؛ سوداً، وبيضاً، وملونين.

3- المغرب
عناق البر والبحر في ذلك البلد العربي الجميل الذي يجهله معظم العرب. ذلك البلد الذي دفع العديد والعديد من أبناء الغرب والشمال إلى إعادة اكتشاف ذواتهم في كنفه وبين جنباته حيث كل شيء ممكن وكل الأشياء في تصالح. المغرب العربي وأهله الطيبون ذوو الوجوه البشوشة واللهجة المميزة. العديد من المشاهد والمراءي التي فتنت المخزنجي في ترحاله من الدار البيضاء إلى الرباط ثم أخيراً إلى طنجة والتي ظل مشدوهاً بها ورغب في أن يكون واحداً من مريديها كمن سبقوه ممن لا حصر لهم. حتي أنه لم يقل لعذوبتها وداعاً -وهذا ما لم يستطعه- فقال إلى لقاء.

4- زيمبابوي
رعد يقصف دون بروق، ومطر يتجه من الأرض إلى السماء، وأقواس قزح لا تغيب أبداً؛ رحلة إستثنائية في المكان والزمان الممتد عمقه مائة وخمسون مليون سنة؛ إنها .. شلالات "موساي-أوا-تونيا" –الدخان الذي يلد الرعد- بلغة أهل البلاد، شلالات "فيكتوريا" بلغة غزاة البلاد. رحلة إلى أحد أكثر المناظر الطبيعية فتنة وسحر تحدث المخزنجي عنها بقلم رقيق رشيق ووصف دقيق يجعلك تستحضر أصوات خرير المياه المتدفقة، وتستشعر ملمس رذاذها البارد، وترى أقواس قزح لا تغيب ولا تنتهي صباحاً، ومساءاً تحت ألق القمر الفضي ليلاً في معجزة ربانية تتكر مرتين فقط كل عام، فلا تملك إلا أن تلهج بلسانك الله. الله. الله.

5- جنوب أفريقيا - مرة أخرى
عود إلى تلك البلاد ذات العواصم الثلاث؛ "بريتوريا" العاصمة السياسية، و"كيب تاون" العاصمة الإدارية، و"بلومفونتين" العاصمة القانونية. عود في رحلة أغرب وأعمق جذوراً تاريخية من الأولى؛ رحلة على عمق 700 متر في باطن الأرض الزرقاء، ومبعدة 1700 مليون عام من الزمان. رحلة إلى ميلاد ومهد أنقى وأصلب مادة عرفها البشر .. الماس. رحلة مدهشة رأي فيها المخزنجي وأرانا كيف تخرج النفائس من بين ثنايا العتمة، وكيف تصبغ أطماع البشر وأحقادهم الصفاء والنقاء بحمرة الدم؛ علنا نتعظ بتواضع الماس المنبعث من العتمة وتصير قلوب البشر بريئة من الظلمة.

6- السنغال
رحلة موجعة مريرة مثقلة بهموم الأفارقة السود، ومعتمة بقسوة وظلم الأوروبيين البيض تمتد في الزمان والمكان عن أخس وأحقر فعلات وويلات وظلمات بني البشر .. العبودية. في تلك الرحلة يصير المخزنجي شخصيتان تفصل بينهما ثلاثة قرون؛ محمد الرحالة يحكي ما رآه في "غورى" السنغالية، ومامادو الزنجي الأسود يحكي كيف صار ماشية بشرية –عبد- تباع وتشتري. ويسير بينا الطريقان متوازيان يحكيان عذابات لا تحتمل ارتكبها أبناء الشمال بإخوانهم من أبناء الجنوب قدروا بستين مليون إنسان في جريمة منظمة استمرت عدة مئات من السنين لم يكفروا عنها إلى الآن. ورغم زعم الغرب انتهاء العبودية ما زلنا نسأل أنفسنا هل انتهت العبودية حقاً؟!

7- الهند
سحر المثلث الذهبي؛ ذهب من تنوع الألوان، والأنغام، والروائح، وأصداء التاريخ، وأصوات العصر. إنها الهند وطن طاغور، وغاندي، وتاج محل، وحدائق المغول، وأكواخ الفقراء، ومعبد الشمس، وقصر الرياح، وشجر التين البنغالي، والأفيال الصاعدة إلى القلعة القرمزية، والأبقار الهاجعة في الشوارع، والقردة المطلة من الشبابيك، والطواويس السارحة في الحدائق، وقصائد العشق المغناة قعوداً، وحلاوة وجوه فقيرات راجستان، ولهيب أطباق التندوري، ونظام الاتصالات الفضائية المتفوق، والطاقة الآتية من المحطات الكهرونووية، والعربات التي تجرها الجمال والثيران، ومرقصي الأفاعي والنسانيس والدببة. إنها الهند بكل تنويعاتها، وثراءها، وسحرها، وتناقضاتها أيضاً.

8- تركيا
بلد القارتين، والإمبراطوريات الثلاث، والحضارات الغائصة في ثنايا كل شبر من أرضها، هي لوحة تؤطرها بحار أربعة، وتكونها وحدات متجاورة من فسيفساء الزمان والمكان. من السهول التي تموج بسنابل القمح، إلى قمم الجبال المغطاة بالثلوج، من ضوضاء مرسى العبارات في إسطنبول، إلى سكينة الناي في موسيقى الدراويش المولوية، من أبنية الوزارات في قمة أنقرة الحديثة، إلى أزقة حي القلعة القديم الحميم. رحلة رأى فيها المخزنجي الكثير، ولم ير فيها الأكثر.

9- الصين
ما الذي يجمع بين سور الصين العظيم في امتداده المثابر، وميدان "تيان آنمين" –السلام السماوي- الذي يسع مليوناً من البشر، واللوحات المرسومة بدقة داخل زجاجات ضيقة الأعناق، وتدفق ملايين الدراجات في شوارع بكين، والرسم بألوان الماء على الحرير، وفلسفة كونفشيوس، وسياسة الباب المفتوح، والسمك بالعسل، والشاي بالياسمين، ورياضة الكونغ فو؟ إنها روح ذلك الشعب تجري في كل هذا لتصنع أنشودة مستمرة عبر الزمان والمكان، والتي بحث عنها المخزنجي في روعة الأثر، ومسعي البشر على الدرب الصينية.

10- الإمارات العربية المتحدة – صير بني ياس
إنها رحلة تمضي على درب طويل أخضر، امتد واقعاً وطيفاً عبر الصحراء والبحر، ثم خلا على ظهر جزيرة يدعو تأملها إلى كل معاني الجمال والحكمة. حكمة الاحتفاء بالحباة الفطرية وسط عالم كاد يفقد هذه الحكمة فأوشك أن يحكم على نفسه بالفناء. ذلك الاحتفاء الذي طمأن طائر الفلامنجو ليعود إلى التكاثر بالمكان لأول مرة بعد سبعين عاماً، والذي جعل طائر البشاروش يحضر صغاره للإقامة معه، والذي أعاد الحياة إلى غابات المنجروف. فسلام يا صير بني ياس .. همس بها المخزنجي إذ غاص الطيف وراء الماء، ولم يتبق غير الموج والحلم.

11- فيتنام
إنه إغواء الرءوس الخضراء الألف، المطلة من صفاء زرقة خليج التنين العائم، الذي جعل المخزنجي يغير خط سيره من الجنوب إلى الشمال ليكون أول عربي معاصر يبحر في فتنة هذا الخليج. الطريق إلى رأس التنين العائم الذي يكتنز ملامح هذا البلد البسيط الساحر، الذي خبأت جماله أدخنة الحروب، وسوء الحظ التاريخي، وعزلة المكان والزمان، وسوء تدبير البشر.

12- سوريا
ويمضي المخزنجي في حمص التي تترامى رحيبة في القلب السوري الرحيب .. من مسرى النسيم في ذرا قلعة الحصن، إلى مرسى القواقل في تدمر؛ ومن مودة القلوب الطيبة في مدينة ابن الوليد، إلى بسمات الزهر في بساتين العاصي؛ ومن خضرة مدارج وادي النضارة، إلى عمق مغارة ملونة عمرها مائة مليون عام .. مائة مليون عام يا حمص، ورحابة الأرض تغوص فيها مرافىء الزمان وتطفو. فهل تكفي من المحب إشارة؟ "يسعد صباحك سورية صبحك حلو".

13- تركيا – مرة أخرى
في البدء كان مؤتمراً دولياً لطب المسافرين في "بودروم"، لكن الطريق إلى هناك بدا مزدحماً بما يستوقف البصر ويحرك الذاكرة، فعوضاً عن الجبال الخضر المحيطة بخلجان بحر إيجه، والقلاع، والمساجد والمساقي، وشوارع المرمر، ثمة لقاءات أتيحت للمخزنجي مع آلاف السنين، في مواطن هوميروس، وهيرودوت، وأهل الكهف، والحيثيين، واليونان، والرومان، والبيزنطيين، والسلاجقة، والعثمانيين، وناس زماننا. رحلة امتدت أياماً لكنها تماست مع آثار أربعين قرناً من المواجهات، حاولت أن تمسك إجابة سؤال التلاقي.

14- كمبوديا
المسارب الخطرة في حقول الألغام التي تمتد من الحدود إلى الحدود، ظلال الأشجار الاستوائية العملاقة، صدمة حفر المقابر الجماعية وأبراج الجماجم، ملحمية آثار "أنكور" المذهلة، بهاء خيوط الحرير الملونة بين أنامل الصبايا الجميلات الفقيرات. إنها كمبوديا.. هبة المطر، وشجن البشر؛ قلب الهند الصينية التي تشبه خارطتها شكل القلب، وهو قلب مترع بالجمال والآلام.

15- ميانمار (بورما)
أبراج من الذهب الخالص في معابد الحفاة، وياقوت حقيقي بلون دم الحمام الشفيف، راهبات بوذيات حليقات الرءوس، ومسلمون يتوضأون من حوض تسبح فيه أسماك ملونة، طعام شبه صيني بتوابل هندية حارة، وعصير جوز الهند الطازج لري العطش. إنها "يانجون" التي مكث العالم قرناً ونصف القرن يسميها كما أسماها الاستعماريون البريطانيون "رانجون"، وهي عاصمة "ميانمار" التي ظللنا –وراء البريطانيين أيضاً- ندعوها "بورما".

16- لاوس
اسمها الأصلي يعني بلد المليون فيل، لكن الأفيال التي كانت وسيلة النقل والمواصلات الأساسية عبر دروبها الجبلية تناقصت، وبرز نهر "الميكونج" الذي يشق وديانها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب كوسيلة نقل ومواصلات بديلة. وهي أفقر وأغرب بلدان منطقة الهند الصينية، وأعجوبة الطبيعة البكر في جنوب شرق آسيا.

17- تركيا – مرة أخيرة
"كابادوكيا" المشتق اسمها من تعبير بالفارسية "المكان الذي تجلب منه الخيول الجيدة".. مآثر البشر والحجر. حين وجد المخزنجي نفسه أمام ستين مليون سنة، في بدايتها ثارت البراكين لتغمر وجه الأرض برمادها وحممها، ومن الثقل الحمم والتهاب سعيرها فوق الأرض والرماد تكون لوح من حجر التوفا البركاني الهش، سمكه يقارب المائة متر واتساعه 22 ألف كيلومتر مربع هي مساحة كابادوكيا. فماذا فعلت ملايين السنين بالحجر، وماذا فعل الإنسان؟!

18- باكستان
"كراتشي" العاصمة الأولى للدولة الباكستانية عند قيامها منذ أكثر من خمسين عاماً، وأكبر المدن، وأهم الموانىء. تقول الأسطورة إنها ولدت من رحم الطوفان، ويقول واقعها إنها لا تزال تصارع الطوفان، طوفان الزحام والمفارقات. إنها "كراتشي".. المرفأ الذي يبحث عن مرفأ.

19- الإمارات العربية المتحدة – مرة أخرى
غزل واضح بين الماء والأرض .. جزر تشرئب محاطة بفيروزية المياه، ومياه توغل في الأرض بألسنتها فتلتمع حول اليابسة الأخوار، وأرض تشف فوقها رقائق المياه فيتألق عناق الرمل والبحر. وما بين رمال الربع الخالي القاحلة، ومياه الخليج الساخنة عالية الملوحة، ثمة ملحمة من 130 مليون شجرة، و23 مليون نخلة. ولكي يحيط المخزنجي ببعض من أطراف هذه الملحمة الخضراء، كان لزاماً عليه أن ينو إليها من الأعالي، من فوق هضبة، ومن قمة جبل، ومن نافذة طائرة محومة. إتها الإمارات العربية المتحدة مرة أخرى، ولكن في هذه المرة تحليق في أفق أخضر.

20- لبنان
شيء ما، كأنه الإغواء، هو ما جذب المخزنجي إلى ما كان يسمى أثناء الحرب الأهلية اللبنانية "خطوط التماس" أو "الخطوط الفاصلة". كان يحاول استحضار تلك الصور الزائلة من ذلك الجنون البشري، تلك اللعبة الوحشية التي لا يمكن لأحد أبداً أن يتمثلها عبر رؤية بيروت الآن ومعرفة اللبنانيين في شتى الأماكن والأزمنة، هذا البلد الجميل، وهؤلاء البشر الأكثر لطفاً بيننا، هل يعقل أنهم كانوا مادة لجحيم من هنا مر؟!

21- جزر المالديف
من نوافذ الطائرة لم تكن هناك غير زرقة ناعمة تسبح في آفاقها سحب تضيء حوافها الشمس، وفي الأسفل تتناثر الجزر متباعدة عميقة خضراء، تحيطها هالات بيضاء، وتنسرح منها هالات أوسع من اللون الفيروزي، ثم تنبسط حولها زرقة المحيط. أكثر من ألف ومائة جزيرة ساحرة، تتناثر كزمردات وسط المحيط الهندي، يعتبرها السياح جنة الاستجمام في هذا العالم، ويخشى العلماء أن يبتلعها البحر في غضون خمسين سنة، لا أكثر.

22- الهند – مرة أخرى وأخيرة
"مامباي" أم "بومباي"؟ إنها مدينة الزحام والأحلام والبؤس والذهب. حيث اقتحم المخزنجي أبراج الصمت المجوسية حتى آخر أبوابها الممنوعة، وصعد إلى ذرا الحدائق المعلقة، ثم هبط إلى بحيرة "بانجانجا" العكرة "المقدسة"، وقرع الأجراس في معبد "ربة" الثروة والحظ السعيد، وانتهى على صراط داخل البحر ليقرأ الفاتحة عند مقام "حاجي علي" العائم فوق الماء. إنها الهند بكل أعاجيبها وحيلها التي لا تنتهي، ولكن مرة أخرى وأخيرة.

23- نيبال
كانت الدهشة هي عنوان الرؤى في وادي "كتماندو"، حبث المعابد بعدد البيوت، والأساطير وراء كل شيء، والاحتفالات والموسيقى لا يتركان شارعاً ولا ميداناً إلل وملآه بالصخب. لكن عند الصعود إلى ارتفاع ثلاثين ألف قدم للتحديق في إنبهار وذهول بأعلى قمة عند سقف العالم، انقلبت الرؤى، وصار الاندهاش من سابق الدهشة؛ هناك فوق قمة "إيفرست"، التي تسمت بهذا الاسم عسفاً، فهي لدى النيبالين الذين يرونهما من الجنوب "ساجارماتا"، ولدى أهل التبت الذين يطلون عليها من الشمال "شومولونجما".

24- بولندا
لعلها كانت إحدى عرائس بحر البلطيق، خرجت إلى الشاطئ واستلقت، فكان من شعرها بهجة الغابات، ومن نور عينيها ألق الكهرمان، ومن قشور جسمها صفاء الكريستال. على أرضها صدحت موسيقى شوبان، وتوقد ذهن ماري كوري وكوبرنيكوس، وزهت العمارة القوطية وزخارف الباروك. ولكن المدافع كانت عمياء، فلم تر فيها غير موقع عسكري ملائم للاقتناص أو للانطلاق. ومن ثم كان عذابها وكانت حيرتها. إنها بولندا.. عروس البلطيق الحائرة، ترفع سيفاً وتحتمي بدرع في شعلر عاصمتها "وارسو" أو "فارسوفا" كما ينطقها أهلها.

25- روسيا
"موسكو".. كل هذا الجمال، كل هذا العنف أيضاً. رحلة من الميدان الأحمر بدأت على الأقدام استكمل المخزنجي بها رحلته الأولى إلى موسكو التي انطلقت قبلها بعشرة أعوام. وفي طريق المغادرة ضاع في خضرة غابات الصنوبر اللانهائية المحيطة بموسكو حتى كادت أن تفوته الطائرة. وما بين الأحمر والأخض  تقلبت أما ناظريه المأخوذين ألواناً من الجمال والعنف رسمتها أيدي كل الأزمنة الروسية. فكانت بهجة، وكان ألماً. ولم يبق سوى الإنتظار والترقب لمستقبل روسيا، التي كانت وسظل شرقاً، مهما تطلعت إلى الغرب.

26- البوسنة
مزهرية من نحاس طلقات الموت. زهور على قبور. حسان يخطرن جريحات على حواف الجرح. مآذن مقصوفة يتعالى منها صوت الأذان. نهر يخرج فواراً من عتمة قلب جبل أخضر. بيوت بيضاء وردية السقوف في مروج ملغومة. حياة تستعيد أنفاسها من عبق وعود الربيع. لكن الذاكرة لا تسقط الألم العظيم. إنها "سراييفو" عاصمة البوسنة والهرسك، مدينة إنكشاف الربع الأخير من القرن العشرين.

27- ألبانيا
عبر سماء البحر الأدرياتيكي، دهش المخزنجي –في طائرته- من الجبال الخضراء، والأنهر والبحيرات الصغيرة بين الجبال، ثم لم تكف الأرض الألبانية بعد ذلك عن الاستمرار في إدهاشه. ألبانيا.. من يعيدها من الشتات؟ "إن الجبال تضيع أبناءها" هكذا يقول الألبان الذي يقترب عدد مشتتيهم في بقاع الدنيا من عددهم داخل البلاد بسبب قرون القهر والعزلة.. خمسمائة وخمسون عاماً من العزلة! إنها ألبانيا ذلك الكيان الصغير البديع الهش، الذي يستأهل الرأفة والرفق.

28- ألمانيا
في المنزل رقم 33 بشارع بيتهوفن، ناصية وست إند، بمدينة "فرانكفورت"؛ ظهروا عابرين القرون والمسافات، تجمعوا بغرفة مليئة بالكتب حول عالم مسلم ألماني الإقامة اسمه "فؤاد سيزكن"، ثم هبطوا مع العاالم ومساعده مازن إلى قبو المنزل، انضمت إليهم مجموعة صغيرة من المهندسين والأسطوات الألمان المهرة، وهناك خلع الأسلاف العظام عمائمهم، وشمروا القفاطين عن سواعدهم، وراحوا –فيما كان العالم يقرأ من كتبهم القديمة بصوت مسموع- يقودون المهندسين والأسطوات الألمان لإنجاز معجزة. ففي هذا المكان البعيد بألماني عاد أسلافنا العظام حقاً إلى الحياة!

نشر على موقع كتابنا