الاثنين، 28 يوليو 2014

الترحال الأول: رومانيا.. بونا ديمينياتسا بوكاريستي (2)

بونا ديمينياتسا بوكاريستي (*) 
 Bună dimineața Bucuresti




-2-

الأفق الروماني هول أول ما طالعته عبناي بعد الخروج من باب الطائرة. الضباب الصباحي يحجب الرؤية البعيدة المدى فلا أتبين من المشهد سوى مساحة شاسعة تتخللها سهوب مخضرة تنتهي بجبال تلوح من بعيد كأنها نهاية العالم وما نعرفه من الدنيا. لم أستطع التركيز في المشهد أكثر من عدة ثوان بسبب تعجل الهابطين خلفي على سلم الطائرة قصير الدرجات. الجو بارد للغاية والشمس محتجبة خلف الغيوم المحتشدة في السماء.
توجهت لإنهاء إجراءات الوصول والخروج من المطار الذي عرفت أن اسمه مطار "أوتوبيني". وقفت في طابور قصير يصطف أمام شباك ضابط الجوازات، وبدأت في استكشاف ملامح المكان حتي يأتي دوري. لفت انتباهي وجود إعلان كبير على الحائط المجاور يحذر من الرشوة والفساد! الإعلان بالطبع باللغة الرومانية؛ لكنه لم يكن من العسير تبين أنه يتحدث عن الرشوة في وجود يد تدس نقوداً في يد أخرى وتحتها كلمة (corupție) بخط كبير، والتي يبدو أنها كلمة الرشوة بالرومانية نظراً لتشابهها مع مرادفتها الإنجليزية. هالني وجود مثل هذا الإعلان أو التحذير في وجه القادمين إلى تلك البلاد؛ فهو يحتمل إما أن تكون تلك البلاد نظيفة وموظفيها طاهري اليد، وأن القادمين من الخارج هم بذور الشر والفساد؛ وإما أن الرشوة والفساد وصمة في جبين البلاد، وعلى القادمين من الخارج ألا يزيدوا الطين بلة. إلا أن الأمر كله محمود فالاعتراف بالحق في كلا الاحتمالين فضيلة.
انتهيت من الروتين المعتاد في كافة مطارات العالم باستلام الحقائب كاملة. الآن انتهى الجزء الأسهل في رحلتي؛ حيث يتوجب على الوصول إلى المدينة التي سأكون بها بقية الشهر "كلوج نابوكا"، والتي تبعد مسافة تسع ساعات بالقطار أو الحافلة عن العاصمة "بوخارست". كل ما لدي لاتمام تلك المهمة ورقة صفراء مكتوب عليها كلمتان وبضعة أرقام هواتف فقط؛ الكلمتان هما "جارا دي نورد" (Gara de Nord) وهي محطة القطار الرئيسية ببوخارست حيث يمكنني ركوب القطار المتوجه لمدينة "كلوج"، والكلمة الأخرى "ميليتاري" (Militari) وهي محطة للحافلات المتوجهة لمختلف المدن الرومانية. وعرفت من صديقي الذي أعطاني هذه الورقة قبيل السفر أن هناك قطاران يتوجهان لكلوج من "جارا دي نورد" أحدهما في التاسعة صباحاً والأخر في الواحدة ظهراً، بينما هناك حافلة واحدة فقط متجهة لكلوج تقلع من "ميليتاري" في الثانية عشرة ظهراً. الساعة الآن السابعة صباحاً أي أنه إذا حالفني الحظ ولم يكن المطار بعيداً عن وسط المدينة سأركب قطار التاسعة صباحاً. حاولت سؤال إحدى العاملات بالمطار عن كيفية التوجه إلى "جارا دي نورد" أو "ميليتاري" فأرشدتني إلى مكتب خاص بالاستعلامات؛ وهناك عرفت أنه يمكنني ركوب تاكسي للوصول مباشرة إلى أي من المكانين، كما أنه يمكنني استقلال حافلة عامة من المطار إلى "جارا دي نورد"، ومن هناك يمكنني ركوب حافلة أخرى إلى "ميليتاري" إن أردت، ونبهتني إلى أن تلك الحافلة المغادرة لمحطة القطار ستتحرك في تمام السابعة وأربعين دقيقة بالضبط.

توجهت إلى مكان لتبديل العملة داخل المطار لأجد أن سعر العملة في ذلك المكان أعلى بشكل ملحوظ عن السعر الرسمي؛ لذا لم أشتر سوى 200 من العملة الرومانية. والعملة الرومانية تسمي "لو" (leu) للمفرد و"لي" (lei) للجمع؛ ويتكون اللو الواحد من مائة "باني" (bani). وتبلغ قيمة اللو الواحد ما يوازي 1.60 حنيهاً مصرياً –في ذلك الوقت.

واللي الرومانية يتم إصدارها في فئات معدنية وورقية تبدأ من بان واحد إلي خمسمائة لي. والعجيب في العملات الرومانية الورقية أنها مصنوعة من مادة بلاستيكية ناعمة للغاية مما يجعلها تبدو وكأنها جديدة دائماً وتتمتع بعمر أطول. كما أن تلك العملات البلاسيكية بها أجزاء شفافة على شكل شعار يختلف من فئة لأخرى، ولم أعرف إلى الأن سبباً لذلك. وتحتوى معظم فئات العملة الرومانية على صور الشخصيات المشهورة في التاريخ الروماني الحديث؛ ولست أعني بالشخصيات المشهورة الرؤساء والحكام والفراعنة كما هو الحال في مصر، بل صور الأطباء والكتاب والرسامين اللذين لعبوا دوراً هاماً في تاريخ البلاد. وقد لاحظت طوال إقامتي مدى احتفاء الرومانيين بالشخوص التي صنعت تاريخهم الحقيقي عبر إطلاق أسمائهم على الشوارع والميادين ومحطات المترو والمتاحف والجامعات، اعترافاً منهم بالجميل وتقديراً لدورهم وإسهاماتهم في بناء الوطن.

يتبع . . .

ليست هناك تعليقات: